سورة النحل - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


قوله تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} يعني: فضل السادة على المماليك {فما الذين فُضِّلوا} يعني: السادة {برادِّي رزقِهم على ماملكت أيمانهم} فعبرت ما عن مَنْ لأنه موضع إِبهام، تقول: ما في الدار؟ فيقول المخاطب: رجلان أو ثلاثة، ومعنى الآية: أن المولى لا يردّ على ماملكت يمينه من مالِه حتى يكون المولى والمملوك في المال سواءً، وهو مَثَل ضربه الله تعالى للمشركين الذين جعلوا الأصنام شركاء له، والأصنامَ ملكاً له، يقول: إِذا لم يكن عبيدُكم معكم في المُلك سواءً، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء، وترضَون لي ما تأنفون لأنفسكم منه؟! وروى العوفي عن ابن عباس، قال: لم يكونوا أشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني؟
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: نزلت في نصارى نجران حين قالوا: عيسى ابن الله تعالى.
قوله تعالى: {أفبنعمة الله يجحدون} قرأ أبو بكر عن عاصم: {تَجحدون} بالتاء وفي هذه النعمة قولان:
أحدهما: حُجته وهدايته. والثاني: فضله ورزقه.


قوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً} يعني النساء. وفي معنى {من أنفسكم} قولان:
أحدهما: أنه خلَق آدم، ثم خلَق زوجته منه، قاله قتادة.
والثاني: {من أنفسكم}، أي: من جنسكم من بني آدم، قاله ابن زيد. وفي الحَفَدَة خمسة أقوال:
أحدها: أنهم الأصهار، أختان الرجل على بناته، قاله ابن مسعود، وابن عباس في رواية، ومجاهد في رواية، وسعيد بن جبير، والنخعي، وأنشدوا من ذلك:
ولو أنَّ نَفْسِي طاوعتني لأَصْبَحَتْ *** لها حَفَدٌ مِمَّا يُعدُّ كثيرُ
ولكنَّها نَفْسٌ عَلَيَّ أبِيَّةٌ *** عَيُوفٌ لأصهار اللئِام قذورُ
والثاني: أنهم الخدم، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية الحسن، وطاووس وعكرمة في رواية الضحاك، وهذا القول يحتمل وجهين: أحدهما: أنه يراد بالخدم: الأولاد. فيكون المعنى: أن الأولاد يَخدمون. قال ابن قتيبة: الحفدة: الخدم والأعوان، فالمعنى: هم بنون، وهم خدم. وأصل الحَفْد: مداركة الخطو والإِسراع في المشي، وإِنما يفعل الخدم هذا، فقيل لهم: حَفَدَة. ومنه يقال في دعاء الوتر: «وإِليك نسعى ونَحفِد». والثاني: أن يراد بالخدم، المماليك، فيكون معنى الآية: وجعل لكم من أزواجكم بنين، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج، ذكره ابن الأنباري.
والثالث: أنهم بنو امرأة الرجل من غيره، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والرابع: أنهم ولد الولد، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والخامس: أنهم كبار الأولاد، والبنون: صغارهم، قاله ابن السائب، ومقاتل. قال مقاتل: وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم. قال الزجاج: وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين، ومن يعاون على ما يُحتاج إِليه بسرعة وطاعة.
قوله تعالى: {ورزقكم من الطيبات} قاله ابن عباس: يريد: من أنواع الثمار والحبوب والحيوان.
قوله تعالى: {أفبالباطل يؤمنون} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الأصنام، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الشريك والصاحبة والولد، فالمعنى: يصدِّقون أن لله ذلك؟! قاله عطاء.
والثالث: أنه الشيطان، أمرهم بتحريم البحيرة والسائبة، فصدَّقوا. وفي المراد ب نعمة الله ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها التوحيد، قاله ابن عباس. والثاني: القرآن والرسول.
والثالث: الحلال الذي أحلَّه الله لهم.
قوله تعالى: {ويعبُدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً} وفي المشار إِليه قولان:
أحدهما: أنها الأصنام، قاله قتادة. والثاني: الملائكة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {من السموات} يعني: المطر، {و} من {الأرض} النبات، والثمر.
قوله تعالى: {شيئاً} قال الأخفش: جعل {شيئاً} بدلاً من الرزق، والمعنى: لا يملكون رزقاً قليلا ولا كثيرا، {ولا يَستطيعون} أي: لا يقدرون على شيء. قال الفراء: وإِنما قال في أول الكلام: {يملك} وفي آخره: {يستطيعون}، لأن {ما} في مذهب: جمعٌ لآلهتهم، فوحَّد {يملك} على لفظ {ما} وتوحيدها، وجمع في {يستطيعون} على المعنى، كقوله:
{ومنهم من يستمعون إِليك} [يونس: 42].
قوله تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} أي: لا تشبِّهوه بخَلْقه، لأنه لا يُشْبِه شيئاً، ولا يُشبِهه شيء، فالمعنى: لا تجعلوا له شريكا.
وفي قوله: {إِن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} أربعة أقوال:
أحدها: يعلم ضرب المثل، وأنتم لا تعلمون ذلك، قاله ابن السائب.
والثاني: يعلم أنه ليس له شريك، وأنتم لا تعلمون أنه ليس له شريك، قاله مقاتل.
والثالث: يعلم خطأ ما تضربون من الأمثال، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه.
والرابع: يعلم ما كان ويكون، وأنتم لا تعلمون قدر عظَمته حين أشركتم به، ونسبتموه إِلى العجز عن بعث خلقه.


قوله تعالى: {ضرب الله مثلاً} أي: بيَّنَ شَبَهاً فيه بيان المقصود، وفيه قولان:
أحدهما: انه مَثَلٌ للمؤمن والكافر. فالذي {لا يقدر على شيء} هو الكافر، لأنه لا خير عنده، وصاحب الرزق هو المؤمن، ابن لِما عنده من الخير، هذا قول عباس، وقتادة.
والثاني: أنه مَثَل ضربه الله تعالى لنفسه وللأوثان، لأنه مالكُ كل شيء، وهي لا تملك شيئاً، هذا قول مجاهد، والسدي. وذُكر في التفسير أن هذا المثل ضُرب بِقوم كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم قولان:
أحدهما: أن المملوك: أبو الجوار، وصاحب الرزق الحسن: سيده هشام ابن عمرو، رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال مقاتل: المملوك: أبو الحواجر.
والثاني: أن المملوك: أبو جهل بن هشام، وصاحب الرزق الحسن: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، قاله ابن جريج. فأما قوله: {هل يستوون} ولم يقل: يستويان، لأن المراد: الجنس. وقال ابن الأنباري: لفظ {مَنْ} لفظ توحيد، ومعناها معنى الجمع، ولم يقع المَثَل بعبد معيَّن، ومالك معين، لكن عُنِيَ بهما جماعةُ عبيد، وقومٌ مالكون، فلما فارق من تأويل الجمع، جمع عائدها لذلك.
وقوله تعالى: {الحمدالله} أي: هو المستحق للحمد، لأنه المنعم، ولا نعمة للأصنام، {بل أكثرهم} يعني المشركين {لا يعلمون} أن الحمد لله. قال العلماء: وصف أكثرهم بذلك، والمراد: جميعهم.
قوله تعالى: {وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم} قد فسرنا البَكَم في [البقرة: 18]. ومعنى {لايقدر على شيء} أي: من الكلام، لأنه لا يَفْهَم ولا يُفهَم عنه. {وهو كَلٌّ على مولاه} قال ابن قتيبة: أي: ثِقل على وليِّه وقرابته. وفيمن أُريد بهذا المَثَل أربعة أقوال:
أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فالكافر هو الأبكم، والذي يأمر بالعدل هو المؤمن، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في عثمان بن عفان، هو الذي يأمر بالعدل، وفي مولى له كان يكره الإِسلام وينهى عثمان عن النَّفقة في سبيل الله، وهو الأبكم، رواه إِبراهيم بن يعلى بن مُنْيَة عن ابن عباس.
والثالث: أنه مثل ضربه الله تعالى لنفسه، وللوثن. فالوثن: هو الأبكم، والله تعالى: هو الآمر بالعدل، وهذا قول مجاهد، وقتادة، وابن السائب، ومقاتل.
والرابع: أن المراد بالأبكم: أُبيُّ بن خلف، وبالذي يأمر بالعدل: حمزة، وعثمان ابن عفان، وعثمان بن مظعون، قاله عطاء. فيخرج على هذه الأقوال في معنى {مولاه} قولان:
أحدهما: أنه مولىً حقيقة، إِذا قلنا: إِنه رجل من الناس.
والثاني: أنه بمعنى الولي، إِذا قلنا: إِنه الصنم، فالمعنى: وهو ثِقل على وليِّه الذي يخدمه ويزيِّنه. ويخرج في معنى {أينما تُوَجِّه} قولان. إِن قلنا: إِنه رجل، فالمعنى: أينما يرسله. والتوجيه: الإِرسال في وجه من الطريق.
وإِن قلنا: إِنه الصنم، ففي معنى الكلام قولان:
أحدهما: أينما يدعوه، لا يجيبه، قاله مقاتل.
والثاني: أينما توجَّه تأميله إِيّاه ورجاه له، لا يأتِه ذلك بخير، فحذف التأميل، وخلفه الصنم، كقوله: {ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران: 194] أي: على ألسنة رسلك. وقرأ البزي عن ابن محيصن {أينما تُوَجِهْهُ} بالتاء على الخطاب.
فأما قوله: {لا يأت بخير} فان قلنا: هو رجل، فانما كان كذلك، لأنه لا يفهم ما يقال له، ولاَ يُفْهَمُ عنه، إِما لكفره وجحوده، أو لِبَكَمٍ به. وإِن قلنا: إِنه الصنم، فلكونه جماداً. {هل يستوي هو} أي: هذا الأبكم {ومن يأمر بالعدل} أي: ومن هو قادر على التكلم، ناطق الحق.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13